يقــول تعالى - ممتنا على رسوله - : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } أي :
نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق،
والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقا حرجا،
لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطا .
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} أي: ذنبك {الَّذِي أَنقَضَ} أي: أثقل { ظَهْرَكَ }
كما قال تعالى { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }
{ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } أي : أعلينا قدرك، وجعلنــا لك الثناء الحســن
العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه
رسوله صلى الله عليه وسلــم، كمــا في الدخول في الإسلام، وفــي
الأذان، والإقامة، والخطب، وغيــر ذلك مـــن الأمور التي أعلى الله
بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلـــم . وله في قلوب أمته
من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى،
فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته .
وقوله { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } بشارة عظيمة،
أنــه كلمــا وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتــى
لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى
{ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } ...
وتعريف "العسر" في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير "اليسر"
يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين .
وفـي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم يدل على
أن كل عسر - وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ - فإنه في آخره التيسير
ملازم له .
ثــم أمــر الله رسوله أصلا والمؤمنين تبعا، بشكره والقيام بواجب
نعمه، فقال : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } أي: إذا تفرغت من أشغالك،
ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء .
{ وَإِلَى رَبِّكَ } وحده { فَارْغَبْ } أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك
وقبول عباداتك .
ولا تكن ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن
ذكره، فتكون من الخاسرين ...