{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ
وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ
مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ }
القصص 60-61
هذا حض من الله لعباده علــى الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بهــا ،
وعلى الرغبة في الأخرى، وجعلها مقصود العبد ومطلوبه، ويخبرهم
أن جميع ما أوتيه الخلق، من الذهب والفضة والحيوانات والأمتعة،
والنساء، والبنين، والمآكل، والمشارب، واللذات، كلها متاع الحياة
الدنيا وزينتها، أي : يتمتع به وقتا قصيرا ، متاعا قاصرا ،
محشوا بالمنغصات، ممزوجا بالغصص .
ويزين به زمانا يسيرا، للفخر والرياء، ثم يزول ذلك سريعا، وينقضي
جميعا، ولم يستفد صاحبه منه إلا الحسرة والندم والخيبة والحرمان.
{ وَمَا عِندَ اللَّهِ } من النعيم المقيم، والعيش السليم { خَيْرٌ وَأَبْقَى }
أي: أفضل في وصفه وكميته، وهو دائم أبدا، ومستمر سرمدا .
{ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أي : أفلا يكون لكم عقول ، بهــا تزنون أي : الأمور
أولى بالإيثار، وأي: الدارين أحق للعمل لها فدل ذلك أنه بحسب عقل
العبد، يؤثر الأخرى على الدنيا، وأنه ما آثر أحد الدنيا إلا لنقص فـي
عقله، ولهذا نبه العقول على الموازنة بين عاقبة مؤثر الدنيا ومؤثر
الآخرة، فقال { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ }أي: هل يستوي
مؤمن ساع للآخرة سعيها، قـد عمـل علـى وعــد ربه لــه ، بالثواب
الحسن، الذي هو الجنة، وما فيها من النعيم العظيم، فهو لاقيه مــن
غيــر شــك ولا ارتياب، لأنــه وعد من كريم صادق الوعد، لا يخلف
الميعاد، لعبد قام بمرضاته وجانب سخطه { كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا } فهو يأخذ فيها ويعطي، ويأكل ويشرب، ويتمتع كما تتمتع
البهائم، قد اشتغل بدنياه عن آخرته، ولم يرفع بهدى الله رأسا،
ولم ينقد للمرسلين، فهو لا يزال كذلك، لا يتزود من دنياه
إلا الخسار والهلاك .
{ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ } للحساب، وقد علم أنه لم يقدم
خيرا لنفسه ، وإنمـا قــدم جميــع ما يضره ، وانتقل إلى دار الجزاء
بالأعمال، فما ظنكم إلى ما يصير إليه ؟ وما تحسبون ما يصنع
به ؟ فليختر العاقل لنفسه، ما هو أولى بالاختيار، وأحق
الأمرين بالإيثار .